تُعد مخططات بونزي، التي تعود أصولها إلى عملية الاحتيال التي صممها تشارلز بونزي في بدايات القرن العشرين، من أكثر أشكال الاحتيال الاستثماري شيوعًا في قطاع العملات الرقمية. تقوم هذه المخططات على استغلال أموال المستثمرين الجدد لسداد عوائد للمستثمرين السابقين، مع الادعاء بأن تلك العوائد ناتجة عن أرباح حقيقية من أنشطة استثمارية مشروعة. في الواقع، لا تقدم مخططات بونزي أي قيمة فعلية أو منتجات ملموسة، إذ تعتمد فقط على تدفق الأموال الجديدة لاستمرارها، حتى تنهار عند عدم القدرة على اجتذاب مستثمرين جدد. في سوق العملات الرقمية، تتخفى هذه المخططات خلف مشاريع مبتكرة أو عمليات تعدين مرتفعة العائد أو بروتوكولات "DeFi" المعقدة، مستغلة ضعف الضوابط التنظيمية، ورغبة المستثمرين في تحقيق أرباح كبيرة، وتعقيد تقنية البلوكتشين.
تتمتع مخططات بونزي بعدة مميزات محددة؛ أولها الوعد بعوائد استثمارية عالية وثابتة بشكل غير طبيعي، تتجاوز بكثير متوسطات السوق، ويثير ذلك الشكوك خصوصًا في سوق العملات الرقمية المعروف بتقلباته الحادة. ثانيًا، غالبًا ما يغيب عن القائمين على هذه المشاريع عنصر الشفافية، مما يصعب على المستثمرين التحقق من سلامة نموذج الأعمال أو مصادر الإيرادات. ثالثًا، تلجأ هذه المخططات إلى حملات ترويجية مكثفة، بما فيها أنظمة مكافآت هرمية تدفع المستثمرين الحاليين لاستقطاب المزيد من الأموال. وأخيرًا، تفرض حالة من الاستعجال والندرة المزعومة، فتدفع المستثمرين لاتخاذ قرارات سريعة دون إدراك كافٍ للمخاطر. وقد تجسدت هذه السمات في العديد من المشاريع الفاشلة في سوق العملات الرقمية، مثل "PlusToken" عام 2019 وانهيار منظومة "Terra/Luna" عام 2022.
تنعكس آثار مخططات بونزي بشكل عميق على سوق العملات الرقمية. فقصيرًا، يؤدي انهيار المشاريع الكبرى منها عادةً إلى هزات سوقية حادة، وانخفاض كبير في قيم الأصول، واهتزاز ثقة المستثمرين. وطويلًا، تؤثر هذه العمليات سلبًا على سمعة القطاع ومصداقيته، وتدفع الجهات التنظيمية لتشديد الرقابة. ويُستغل وجود مخططات بونزي كثيرًا من قبل المؤسسات المالية التقليدية كدليل لانتقاد ضعف التنظيم والشفافية في سوق العملات الرقمية. علاوة على ذلك، وبتطور هذه المخططات في أشكال أكثر تعقيدًا ضمن قطاعي "DeFi" و"Web3"، فإنها قد تعوق حصول المشاريع المبتكرة الحقيقية على الاستثمارات وبناء الثقة لدى المستخدمين.
يواجه المستثمرون عدة تحديات في اكتشاف وتجنب مخططات بونزي عند الاستثمار في مشاريع العملات الرقمية. أولًا، تشكل الجوانب التقنية المعقدة عائقًا أمام المستثمرين غير المتخصصين لتقييم جدوى المشروع وقيمته الفعلية. ثانيًا، يتيح الطابع المستعار لتقنية البلوكتشين للمحتالين إخفاء هويتهم بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي النشاط العابر للحدود إلى تعقيدات بالغة في تنفيذ الإجراءات القانونية واسترداد الأموال. ولتفادي هذه المخاطر، ينبغي على المستثمرين اتباع استراتيجيات دفاعية فعالة، مثل: التشكيك في المشاريع التي تعد بعوائد مرتفعة وثابتة؛ إجراء تدقيق شامل يشمل مراجعة الكود البرمجي (إذا كان مفتوح المصدر)، والتحقق من خلفية الفريق، وتقييم واقعية نموذج الأعمال؛ تجنب القرارات الانفعالية الناتجة عن الخوف من تفويت الفرصة؛ وتنويع الاستثمارات لتخفيف احتمالات الخسارة المحتملة. والأهم، الالتزام الدائم بقاعدة الاستثمار الأساسية التي تؤكد أن "العوائد المرتفعة تقترن دائمًا بمخاطر مرتفعة"، خصوصًا في سوق العملات الرقمية شديدة التقلب.
ورغم أن مخططات بونزي تمثل امتدادًا لأساليب الاحتيال المالي التقليدي، إلا أنها تظهر في أشكال جديدة وأكثر تعقيدًا في منظومة التمويل اللامركزي. إن التعرف على هذا النمط الاحتيالي وفهم آلياته أمر أساسي لحماية مصالح المستثمرين وتعزيز تطور السوق بطريقة سليمة. ومع نضج تقنية البلوكتشين وأسواق العملات الرقمية، ستساهم أطر التنظيم والتعليم الأكثر تطورًا في تقليص انتشار مثل هذه الأفعال الاحتيالية، إلا أن يقظة المستثمرين وترسيخ الفكر النقدي يبقيان خط الدفاع الأهم في مواجهة تلك المخاطر.
مشاركة